“يجب أن يكون الوطن هو الجامع لنا كلنا”

پێنووس

ترجمه الى العربية: موفق عادل عمر

في يوم الأربعاء المصادف (17/4/2024) وفي مستهل مراسيم افتتاح الدورة الثامنة لملتقى السليمانية الذي أقامه الجامعة الامريكية -العراق في السليمانية، القى رئيس إقليم كوردستان (نيجيرفان البارزاني) كلمة تناول ثلاث ابعاد مهمة: الوضع الداخلي لإقليم كوردستان والعلاقة مع العراق، أوضاع دول الجوار ودول المنطقة، بالإضافة الى البيئة وتأثيرات الأوضاع الدولية القائمة والتي تواجهها المنطقة بصورة عامة و العراق مع إقليم كوردستان بصورة خاصة.

رئيس الإقليم خلال القائه لكلمته أشار الى مخاطر الانقسامات السياسية قائلا ” ان شعب كوردستان شعب موحد، وعلى الأطراف السياسية أن تحذو حذو شعبها و تتفق من اجل المصلحة الوطنية. وبهذه الصورة يمكننا أن نجري انتخابات شفافة وعادلة، بموافقة ومشاركة كل الأطراف “. من نفس هذا المنطلق أشار الى أهمية برلمان كوردستان وأكد على: ” ان برلمان كوردستان تجربة مهمة للغاية في المنطقة، يجب أن نساندها جميعا”. رئيس الإقليم أشار في هذه الفقرة الى النقاط المشتركة التي تجمع الأحزاب والأطراف السياسية في إقليم كوردستان، و تحدث عن كون برلمان كوردستان نقطة جامعة لجميع الأطراف و وصفه بانه مؤسسة قومية و مرجعا اساسيا للتشريع في إقليم كوردستان، مشيرا الى ان هذه المؤسسة تجمع تحت قبتها مكونات كوردستان بجميع الوانه واصواته مع كافة الاختلافات الموجودة فيما بينهم.

من جهة أخرى إذا فسرنا وحللنا كلمة رئيس الإقليم على المستوى الدولي، نرى بانه ركز على مجموعة من القضايا التي هي محل اهتمام المجتمع الدولي وأصدقاء إقليم كوردستان والعراق. حيث أعلن دعمه الكامل للجهود والنشاطات السياسية الذي يقوم به رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، والذي يقوم الان بزيارة رسمية الى الولايات المتحدة الامريكية، مشيرا الى انه (السوداني) يحتاج في هذه المرحلة الى دعم إقليم كوردستان، وهذا من دون أدنى شك بسبب التعاون والتنسيق الذي جرى بين رئيس إقليم كوردستان و رئيس الوزراء العراقي، و الذي لعب دورا مهما ومحوريا في المفاوضات واللقاءات التي جرت لأجل الوصول الى حل جذري للمشاكل القائمة بين بغداد واربيل.

رئيس الإقليم يعي جيدا ان شخصية رئيس مجلس الوزراء العراقي مهمة جدا لبناء علاقة سليمة وصحيحة بين أربيل وبغداد ولهذا نرى انه قد اشار الى هذه النقطة قائلا في مستهل حديثه ” يتمتع دولة رئيس مجلس وزراء العراق الاتحادي، السيد محمد شياع السوداني، برؤية واسعة ويؤمن كثيرا بالدستور العراقي. هذه الرؤية كان لها الفضل في استقرار جيد في الإدارة والحوكمة في العراق. ويشعر العراقيون بهذه التغييرات. ومن شأن هذه الرؤية وهذا الأسلوب في الإدارة تحقيق التقدم للعراق، ويمثلان فرصة جيدة جدا اتيحت للعراق”. ولكن مع ذلك أشار رئيس الإقليم الى ان رؤية السوداني هذه، تحتاج الى الدعم والى تمهيد الارضية السياسية المواتية. الأطراف السياسية العراقية الان هم امام مسؤولية مهمة وتاريخية والتي هي عبارة عن ضرورة دعم الحكومة الاتحادية العراقية.   

كما هو معروف عن نيجيرفان البارزاني انه دائما وبصورة مستمرة يؤكد على أهمية القيم الديمقراطية وحقوق الأقليات والالتزام بالدستور، لان الذي يميز عراق ما بعد عام 2003 عن النظام السياسي في عهد الانفال والبعث، هو هذه القيم الإنسانية والعالمية، والتي يجب على جميع النخب السياسية العمل على تثبيت أركانها واسسها، وذلك بهدف كسب الدعم الدولي للعراق وإقليم كوردستان.

برغم وجود مخاوف لدى رئيس الإقليم، الا انه بصورة عامة نستطيع القول ان كلمته الذي القاه، تتميز بتفاؤل كبير، و نرى هذا الامر عندما قال “لا يوجد شيء في العراق لا يمكن حله، اذا تعاملنا معه بإرادة مسؤولة”

بصورة عامة بالإمكان قراءة كلمة نيجيرفان البارزاني رئيس إقليم كوردستان قراءة سياسية وتحليلية وبشكل مفصل عبر النقاط (9) التالية:

أولا- السيد نيجيرفان بارزاني، استغل هذه المناسبة لتقديم التهاني الى الاخوة اليزيديين بمناسبة راس السنة اليزيدية. استغلال مثل هذه الفرص من قبل رئيس الاقليم يعتبر نقطة مهمة جدا، وذلك لأجل اظهار روح التعددية الموجودة في كوردستان وعدم اهمال هذا الموضوع الحساس، خصوصا في هذه المرحلة التي تسعى فيها بغداد لخلق صراع بين اليزيديين وإقليم كوردستان.

ثانيا- رئيس الإقليم اثناء تقديمه للتهاني والتبريكات لليزيدين قال “نبارك لهم من هنا باسمكم جميعا، ونرجو لهم سنة سعيدة”. من خلال هذه النقطة نرى ان رئيس الإقليم قدم نفسه كشخص اول ما بين الحضور وهذا امر مهم جدا من ناحية تمثيل الجميع لتقديم التهاني، ومن جهة أخرى عبر تقديمه للتهاني اثبت انه رئيس جميع المكونات الموجودة في الإقليم.

ثالثا- برغم ان نيجيرفان بارزاني تحدث عن الحروب والتوترات الشديدة والخلافات الموجودة في الشرق الأوسط، الا انه في نفس الوقت ارجع حل هذه المشاكل بسرعة من خلال “البدء بالحوار والمفاوضات”، بالإضافة الى إرساء السلام طلب أيضا الى التوصل لـ”اتفاق متوازن”. هاتان النقطتان تمثلان تصورات الفوق الإقليمية وتوجهات إرساء السلام لوجهة نظر نيجيرفان بارزاني. عدا هذا عندما طالب رئيس إقليم كوردستان بـ”تنفيذ قرار مجلس الامن الدولي” للإيقاف الفوري والغير المشروط للحرب واطلاق سراح الرهائن، نرى انه تحدث بروح حضاري والذي هو مطلب المجتمع الدولي و جميع القوى والدول.

حتى عندما يتحدث عن “حل الدولتين” لغرض إرساء الاستقرار والسلام، هو بالأصل خطوة وتوجه صحيح وصائب ودقيق من النواحي الأخلاقية والسياسية و الأمنية والقانونية بالإضافة الى انه مطلب المجتمع الدولي جميعا، وفي نفس الوقت يهيئ الامر لفتح الافاق امام كوردستان مستقبلا. عدا هذه الأمور فان الدول المسلمة والاوربية وغير الاوربية يسعون الى ذلك، ومما يظهر شجاعة نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان، هو عرضه لأفكاره الذي يؤمن به من دون ادنى تردد.

رابعا- من احدى النقاط اللافتة للنظر في كلمته الذي القاه رئيس إقليم كوردستان، بعد عرضه للمشاكل والأزمات الدولية، قال اننا لن نسمح بان يكون اقليم كوردستان مصدر هجمات وتهديدات لأي بلد. وهذه النقطة بحد ذاتها رسالة واضحة ومفتوحة لدول الجوار بخصوص اطمئنانهم وتقديم ضمانات لهم حول عدم تشكيل إقليم كوردستان تهديدا لهم، ومن جهة أخرى الإعلان عن تقديم مثل هذه الضمانات بصورة مستمرة، يولد لدى دول الجوار الأمان بخصوص وجود مثل هذه السياسات لدى إقليم كوردستان. عدا هذا فان الامر الأهم هو انه أشار الى مشاكل ونقاط ضعف الدول الجوار، وبالأخص تركيا وإيران، والذي هو عبارة عن “الازمة الاقتصادية” ولهذا السبب تحدث عن الشراكة الاقتصادية بين إقليم كوردستان ودول الجوار رابطا هذه الشراكة بالاستقرار السياسي والتعايش السلمي. هنالك ايضا نقطة مهمة وهي ان نيجيرفان بارزاني أرسل رسالة الى دول الجوار من خلال عرضه لهذه المشكلة والتي مفادها هي “اذ ارتم الاستقرار والتعايش السلمي، يجب عليكم البدء عن طريق التنمية الاقتصادية”، لان للاقتصاد دور هام جدا في المفاوضات والمعدلات السياسية والعلاقات بصورة عامة، لان الاقتصاد يعتبر العمود الفقري للسياسة.

خامسا-نيجيرفان بارزاني عن طريق الوقوف والإصرار على ان الكورد وكوردستان وقيادته يؤمنون “بالديمقراطية وبالسلام”، استطاع بحنكة سياسية رفض جميع الانتقادات التي توجه بسبب تأخر اجراء الانتخابات، بالإضافة الى انه أرسل هذه الرسالة الى تلك الأطراف الذين هم اولو منهم.

سادسا- عندما يتحدث السيد نيجيرفان بارزاني عن ان قوة إقليم كوردستان، يعتبر قوة العراق، هذا عدا التذكير بخيرات الكورد وإقليم كوردستان على المعارضة العراقية، في نفس الوقت يحاول إيصال رسالة مفادها “اوقفوا محاولات اضعاف كوردستان، لأنكم مدينون لنا لنا من جهة وسوف تضعفون أنتم أيضا من جهة أخرى. من المحتمل ان هذه الرسالة قد وصل الى الأطراف العراقية بصورة واضحة وصريحة.

بالإضافة الى ذلك انه عبر ايمان اقليم كوردستان وقادته بـ”السلام” و “الديمقراطية” وربط هذه الأمور بالدعم الدولي، كل هذه الأمور يقودنا الى وجود رسالة اخرى من قبل رئيس الإقليم الى الجهات المعنية خلال كلمته، فحواها “ان هذه التجربة هي نتيجة ايماننا بالسلام والديمقراطية” و في نفس الوقت يحاول نيجيرفان بارزاني ان يثبت انه برغم وجود اختلاف بين القوى الكوردية الا انه حتى الان الجميع يعمل على نفس النهج و اذا كان هنالك انتقاد (مثلا تأخير اجراء الانتخابات)، يعتبر هذا الامر امرا مؤقتا و يؤكد على ان ايمانهم هذا جعل إقليم كوردستان ان تبني علاقات جيدة مع دول الجوار. وبالتالي الحفاظ على هذه التجربة لها ضمان دولي من جهة واستمرار الديمقراطية والسلام في إقليم كوردستان يساعد على الحفاظ على العلاقات الموجدة مع إيران وتركيا كقوتان رئيسيتان في المنطقة.

عدا هذه الرسائل نرى ان السيد نيجيرفان بارزاني عبر هذه الطريقة أوصل رسالة أخرى الى الأطراف السياسية الداخلية، مفادها انه يجب عليهم الحفاظ على السلام والديمقراطية في إقليم كوردستان، مؤكدا على ان قوة إقليم كوردستان مرهون بالدعم الدولي.

سابعا- حاول نيجيرفان بارزاني وبصورة صريحة جدا إيصال رسالة الى العراقيين (وخصوصا القادة الشيعة)، فحواها انهم اذا كانوا يريدون تجنب تكرار التاريخ الدموي للعراق، يتعين عليهم ان يتخلوا عن “الدكتاتورية وحكم المكون الواحد”. بالإضافة الى ذلك أشار انه في حال استمرار الخلافات، فان امن العراق تتدهور وستظهر من جديد المنظمات الإرهابية.  لهذا السبب يعتبر هذا الامر في نفس الوقت رسالة الى المجتمع الدولي مفادها إذا ارتم عدم ظهور المنظمات الإرهابية مثل داعش والمنظمات المشابه له، لابد من اقامة توازن وشراكة واتفاق بين القوى السياسية المختلفة في العراق.

ثامنا- الإصرار المستمر لرئيس إقليم كوردستان على الدستور، الذي وافق عليه العراقيون، بالإضافة الى الوقوف على موضوع النظام الاتحادي والمحافظة على حقوق إقليم كوردستان، شكل جزءا اخرا من كلمة رئيس إقليم كوردستان. لذا فان هذا الإصرار والتذكير يشير بصورة مباشرة على ان بغداد هو سبب الخلافات والمشاكل العالقة بين أربيل وبغداد وعدم تطبيق الدستور والتراجع عن الفدرالية. بعبارة أخرى فان افاقا مشرقة تنتظر العراق اذا ما التزم بالدستور وطبق النظام الفدرالي بصورة صحيحة وسليمة. وخصوصا هنالك معادلة يجب على الجيل الجديد من القادة العراقيين ادراكه وفهمه، الا وهي ان الاستقرار سوف لن يُقام في العراق ولن يصبح العراق دولة قوية، اذا قاموا بعداء تجربة إقليم كوردستان. بحيث جميع الحكومات العراقية ابتداءا من حكومة المالكي وحتى النظام البعثي، يدركون هذه الحقيقة جيدا، لهذا السبب نرى ان رئيس إقليم كوردستان قال بصراحة ” ان طريقة التعامل مع إقليم كوردستان هي أكبر اختبار للنظام السياسي العراقي الجديد. لان عراقا قويا مرتبط بوجود اقليم كوردستان قوي، كما ان وجود إقليم كوردستان قوي مرتبط بوجود عراق اتحادي ومستقر”.

تاسعا- من احدى النقاط المهمة لكلمة رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، هو انه أكد على ضرورة تجاوز الماضي وتضميد الجراح عبر “الاتفاق” وراهن هذا الامر ببقاء الوطن وكوردستان قويا وعظيما ودائما، فضلا عن ان الخلافات وحتى القوى السياسية والقادة يظهرون ويزولون.  ويعتبر هذا الامر جوهر واساس العقلانية الحديثة، والمتحضرة والديمقراطية التي انعكست بشكل بارز في كلمة السيد نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان. لهذا السبب عندما قال “يجب ان يكون الوطن جامع لنا كلنا” وهذا لا يترك اية فرصة او عذر او مبرر للأطراف السياسية لمواصلة خلافاتها. فضلا عن ذلك فان هذه الأمور يولد حس “المواطنة” لدى جميع مكونات وافراد المجتمع، ويوصل رسالة مفادها إذا تعرض إقليم كوردستان الى مخاطر فان جميع القوى السياسية تتعرض لتلك المخاطر.

الخاتمة

“يجب ان يكون الوطن جامع لنا كلنا” هو ذلك الرأي القوي الذي يستطيع ويجب ان يكون بمثابة مظلة في إقليم كوردستان. “إذا كان الوطن جامعا لنا كلنا “، اثناء ذلك سيتحدث عن حب الوطن “Patriotism”، والذي هو عبارة عن النقطة والمصلحة والمستقبل المشترك بحيث يستطيع ان يجمع جميع الأحزاب والأطراف حوله برغم وجود اختلافان في ما بينهم. بدون شك “إذا كان الوطن جامعا لنا كلنا ” هذا لا يعني سوف لن يبقى هنالك خلافات وصراعات، بالعكس هذه الرسالة الاستراتيجية تشير الى “الاتحاد في التنوع” وليس “الاتحاد الذي تمحو الاختلافات”.

هذا الشعار “يجب ان يكون الوطن جامع لنا كلنا”، يفتح افاق جديدة حول بدء مرحلة جديدة وعالية المستوى مما يضمن التعايش السلمي، المصلحة العامة، التنظيم، القوة وسياسة وطنية جديدة في إقليم كوردستان. تعتبر الهوية والمصلحة القومية من اقوى المعادلات في الساحة السياسية، لان لديها قدرة عالية للاتحاد سواء اكان في إقليم كوردستان او في العراق والمنطقة، لان المصلحة الوطنية هي فوق جميع الاعتبارات، “لان كوردستان أكبر منا جميعا والوطن اقوى من كل ما عندنا”.