پێنووس
2024

سيناريو حرب إسرائيل-حزب الله وتداعياتها الجيوسياسية على أمن إقليم كوردستان-العراق

د.پرويز رحيم قادر/ دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية – دراسات الأمن القومي / أستاذ جامعي

ترجمه إلى العربية موفق عادل عمر

بعد هجمات حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر لعام 2023، كان اغلب المحللين السياسيين وخبراء المنطقة من جهة وسياسي الفواعل الإقليمية من جهة أخرى يعتقدون بان المعادلة الجيوسياسية ستطرأ عليها تغييرات. ضمن هذا السياق، فان إقليم كوردستان كفاعل من غیر الدول ضمن إطار دولة العراق، يُعتقد بان يضطر ان يكون له دور في هذه التغييرات، ويتأثر بهذه المعدلات، وفي كلتا الحالتين تتعرض امن إقليم كوردستان بأبعاده السياسية والعسكرية والاقتصادية وحتى البيئية الى مخاطر. حتى التقارب الإيراني من إقليم كوردستان وتطبيع العلاقات الثنائية واستقبال رئيس الإقليم في إيران، يمكن ان يفسر ضمن هذا الإطار. بمعنى اخر، جميع الأطراف في المنطقة الإقليمية وفوق الإقليمية، عدا انهم يعدون أنفسهم لهذه التغييرات، يعملون في الوقت ذاته لأجل المحافظة على أمنهم ومواقعهم ويهدفون الارتقاء إلى مستويات أعلى بحيث يعتبر هذا في مصلحتهم لتحديد الوضع والسيطرة عليه.

في هذه المقالة نحاول باختصار الإشارة إلى اهم العوامل المؤثرة على المعادلات المحتملة والتي سيكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر على أمن إقليم كوردستان.

  • تصاعد حدة توترات الحرب والانخراط المباشر لحرب الله اللبناني فيها

منذ بداية حرب غزة، تقريبا قبل ثمانية أشهر، تصاعدت وتيرة الصراعات بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، بحيث قرر الجيش الإسرائيلي الآن شن هجوم محتمل على لبنان. بعد ذلك بتاريخ 19-6-2024 هدد حزب الله اللبناني الذي يُدعم من قبل الجمهورية الإسلامية، بشن هجمات على إسرائيل وقبرص. من جهة اخرى تحاول أمريكا حاليا خفض حدة التوترات. الجدير بالذكر ان آخر حرب بين إسرائيل وحزب الله جرت في شهر تموز من عام 2006. حيث قُتل خلالها حوالي ألف وأربعمائة شخص خلال 34 يوما وكان 1200 منهم من لبنان وأغلبهم كانوا أشخاصا مدنيين.

على الرغم أنه بعد السابع من أكتوبر من عام 2023، قضية شن الهجمات والرد بين حزب الله وإسرائيل كان واردا، فانه حسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، فقد قُتل 15 عسكريا و11 شخصا مدنيا في شمال إسرائيل، إلا أن الطرفين بصورة عقلانية منع من حدوث حرب شاملة وعامة بينهما. لأن من إحدى أخطر السيناريوهات الحالية، هو تصاعد حدة الحرب القائمة بين إسرائيل-حماس وتحولها الى حرب بين إسرائيل-حزب الله، لأن من جهة حرب إسرائيل-حماس وصلت إلى طريق مسدود، حتى أن الجيش الإسرائيلي أعلن أنه لا يمكن القضاء على حماس بصورة نهائية، ومن جهة أخرى وعلى الصعيد المحلي الإسرائيلي علی مستوی الرأي العام والحكومي وحتى على الصعيدين الدولي والإقليمي، تأتي عن طريق ضغوطات نحو انهاء تلك الحرب. برغم أنه حتى ألان إنهاء حرب غزة وتكاليفها المالية وضغوطاتها الاقتصادية[1]، و التأكد من توفير الأسلحة والعتاد من قبل الحكومة والجيش الإسرائيلي، موقع حزب الله من إيران واختلاف قدرات حزب الله عن حماس من نواحي الأسلحة والتدريب، معارضة أمريكا و إدارة بايدن، تفادي الجمهورية الإسلامية من انخراط حزب الله في الحرب، مخاوف خروج الحرب عن السيطرة و تحولها الى حرب إقليمية، يعتبر من أكبر المعوقات أمام تصاعد حدة الحرب، لكن هذه الحالة الهشة وغير المستقرة  وأي تفسير خاطئ أو تجاوز للخطوط الحمراء الذي رسمه الفاعلون يمكن أن يشعل هذه الحرب.

عدا هذه الأمور، المستقبل السياسي لناتنياهو واحتمالية المسالة معه، مواجهة التهديدات النووية الإيرانية، ومنع هذه الدولة من الرد في الحدود الإسرائيلية، وعود الحكومة والجيش الإسرائيلي لاطمئنان المواطن الإسرائيلي حول عدم سماحهم بتكرار أحداث السابع من أكتوبر، جعل المحافظة على أمن المناطق الحدودية الشمالية الإسرائيلية و التأكد منها، من ضمن أولويات الأمن-العسكري للجيش والساسة الإسرائيليين. كل هذه الأمور تحدث أثناء إعلان حزب الله عدم رغبته في الانسحاب إلى خلف حدود الذي تم الاتفاق عليه سنة 2006 حسب القرار رقم 1701 لمجلس الأمن. بالإضافة إلى ذلك فإن قضية السلاح النووي الإيراني يعتبر خطرا مباشرا على إسرائيل والتي لم يتم حلها حتى الان. عدا هذا فإن الهجمات والتهديدات التي تأتي من المجموعات المسلحة والميليشيات الموجودة في العراق ضد إسرائيل ما زالت مستمرة.

حسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، أنه في حال عدم التوصل إلى هدنة‌ وقف إطلاق النار في غزة وعدم التوصل إلى اتفاق مع حزب الله حسب الشروط المفروضة من قبل إسرائيل، سيكون شن الهجوم الواسع أمرا حتميا. حسب المعلومات والبيانات الواردة من مركز أبحاث وتربية الما (Alma Research and Education Center) خلال الأربعة الأشهر الماضية زاد عدد الهجمات الذي شنه حزب الله اللبناني بالطائرات المسيرة على إسرائيل أثني عشر ضعفاً. حسب التقارير المنشورة أنه في شهر أيار 85 طائرة مسيرة وفي شهر نيسان 42 طائرة مسيرة وفي شهر أذار 24 طائرة مسيرة وفي شهر شباط 7 طائرات مسيرة اخترقت الأجواء الإسرائيلية في عام 2024.  حسب بيانات هذا المعهد، “نفذت حزب الله منذ 8 تشرين الأول 2023 وحتى 31 أيار 2024 حوالي ألف و954 هجوما بالطائرات المسيرة على الحدود الشمالية لإسرائيل، و نسبة 46% من هذه الهجمات استهدفت البنى التحتية و المناطق المدنية”. من المتوقع أن تسمح وتساعد الجمهورية الإسلامية الإيرانية من شن المزيد من الهجمات على إسرائيل. وفي نفس الوقت مع زيادة حدة التوترات وهجمات حزب الله، يستمر حماس أيضا بشن الهجمات على إسرائيل في غزة.

في الوقت نفسه، في حال نشوب أي اشتباكات أو حرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، سيكون له تأثير أمني على إقليم كوردستان، لأن لإقليم كوردستان حدود مع إيران، وأن الجمهورية الإسلامية في حال انخراط حزب الله اللبناني في الحرب مع إسرائيل، لن يكون بدون موقف، بسبب كون حزب الله اللبناني من أهم القوات الوكيلة لإيران له حدود محاذية مع إسرائيل ويعتبر بمثابة أخر قلعة دفاع إيرانية في الخارج، ولن يكون مبالغا إذا ما قلنا أنه في حال ضعف حزب الله، ستتراجع إيران بصورة كاملة من الشرق الأوسط وستؤدي سياسة الردع (deterrence policy) الى انهيارها بالكامل.

الهجمات الصاروخية والبالستية والهجوم بالطائرات المسيرة من قبل إيران على إسرائيل، والرد المحدود الإسرائيلي، أثبتت أن القدرات الصاروخية والطائرات المسيرة لإيران لا يمكن مقارنتها مع قدرات إسرائيل، وإن هذه القوات الوكيلة وخصوصا حزب الله اللبناني يعتبر أكبر رأسمال لإيران في الخارج لأجل حماية أمنها، بالإضافة إلى ذلك تُدرك إيران هذه الحقيقة أنه مع القضاء على حزب الله أو على الأقل إضعافه، ستشجع إسرائيل وأمريكا لشن الهجمات على القواعد والمؤسسات النووية الإيرانية. من منظور أخر، الذي يمنع شن الهجمات على هذه المؤسسات، هي ليست القوات الدفاعية الإيرانية، لكنه بسبب وجود القوات الوكيلة والقدرات الإيرانية في الحرب اللا متوازي او حرب (الاشتباك) غير المتكافئة (asymmetric warfare). ضمن هذا السياق حاولت إيران التقرب من إقليم كوردستان ولهذا السبب استخدمت سياسة “العصا والجزرة”، من خلال شن هجوم صاروخي مباشر والهجمات التي شنت من قبل الميليشيات، أو عبر الطرق الدبلوماسية ودعوة ومن ثم الاستقبال الحافل للسيد نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان في إيران، ومحاولة إنهاء التوترات والخلافات القائمة مع إقليم كوردستان بصورة مباشرة وحتى من خلال الضغط على بغداد لأجل تقليل الضغوطات على إقليم كوردستان من النواحي القانونية، الاقتصادية، المالية، السياسية والأمنية …. إلخ بشكل غير مباشر. لكن من المحتمل أن يتغير هذا الوضع بسرعة في حال اندلاع حرب إقليمية وذلك بدءا بمشاركة حزب الله اللبناني. لهذا السبب استخدمت الجمهورية الإسلامية السياستين معا “العصا والجزرة” (carrot and stick)، بهدف الإعداد والتحضير لهذه الحرب.

  • التوترات الإيرانية-الامريكية من جهة والقضية الإيرانية النووية من جهة أخرى

الحقيقة، أن أكبر مشكلة التی تواجهها أمريكا أمام إيران بحيث أنها تعتبر تهديدا في الوقت نفسه لإسرائيل، هي القضية النووية الإيرانية. برغم أن إيران وإدارة بايدن عقدا عدة جولات من اللقاءات والمفاوضات السرية في أمريكا حول قضايا الشرق الأوسط وقضية العقوبات والحصار ورفع الحضر عن الأموال المجمدة الإيرانية في المصارف العراقية وكوريا الشمالية، وأيضا هجمات الميليشيات على الأمريكيين وحتى حرب إسرائيل وحماس مع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، لكن بالتأكيد من أهم هذه القضايا هي قضية الأسلحة النووية و تطورات تخصيب اليورانيوم بحيث يجعله ان يتجاوز نسبة 60% من قبل إيران، لكن مقتل إبراهيم رئيسي وأمير عبداللهيان أوقفت المفاوضات أو على الأقل ابطأت تلك المفاوضات و اللقاءات. لأن الإيرانيون من جهة بانتظار قدوم رئيس الجمهورية الجديد إلى السلطة، ومن جهة أخرى يراقب الأمريكيون التغييرات والأوضاع ليعلموا هل أن رئيس الجمهورية معتدل أم من المتشددين، وكيف سيكون السياسة التي يتبعه رئيس الجمهورية المقبل، وهل يمنح المرشد الأعلى الإسلامي صلاحيات واسعة حول المفاوضات واللقاءات وهل سيقرر إبرام اتفاق جديد حول المواضيع العالقة أم لا؟ لأن الأمريكيين حسب الخبرة التي يمتلكونها حول المفاوضات والتعامل مع الإيرانيين، بالإضافة إلى التغييرات الداخلية، يؤمنون أنه إذا وصل إلى السلطة اسما متطرفا ومتشددا، هذا يعني رفع حدة التوترات مع أمريكا و تبني سياسة خارجية هجومية ضد أمريكا، وبالعكس إذا استطاع اسم إصلاحي ومعتدل أن يصبح رئيسا للجمهورية، فإن هذا يعني أنه إشارة و رسالة واضحة من قبل المرشد الأعلى في إيران، إلى الأمريكيين لأجل الوصول الى اتفاق وتخفيض حدة التوترات مع أمريكا، وذلك برغم كون هذه الخطوات مؤقتة و تقنية. لأنه بالنسبة للأميركيين من المهم ألا تكون هناك صراعات وتوترات جديدة مع إيران في المنطقة قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، والإيرانيين أيضا ينتظرون قدوم الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض سواء أكان جمهوريا أو ديمقراطيا. لهذ السبب ينتظر الطرفان التغييرات الداخلية في الدولة المقابلة، ويريدون فقط بعد هذه التغييرات البدء بمفاوضات جدية او إيجاد الحلول للمشاكل العالقة.

ضمن هذا السياق أية توترات في المنطقة سيؤثر على هذه المفوضات والعكس صحيح، عند وصول المفاوضات إلى طريق مسدود في هذه الحالة تستخدم القوات الوكيلة لتقوية موقف إيران في المفاوضات والحصول على بعض الامتيازات من قبل الجانب الأمريكي، وفي الوقت نفسه تحاول هذه القوات تصعيد الموقف. في هذه الأثناء، يتعرض إقليم كردستان، باعتباره جهة فاعلة معروفة أو قريبة من الولايات المتحدة في المنطقة الرمادية (Gray Zone)، لهجوم من قبل هذه الميليشيات. من منظور آخر، عدا أن هذه التوترات ستؤثر على أمن إقليم كوردستان، في الوقت ذاته فإن قضية السلاح النووي الإيراني لها علاقة غير مباشرة بأمن أو اللا أمن  في إقليم كوردستان، لأنه عدا هجمات ومخاطر الميليشيات، مخاوف إيران من تعرض مراكزها ومؤسساتها النووية إلى الهجمات من قبل إسرائيل وأمريكا، تجعلها تضغط باستمرار على إقليم كوردستان، وذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من قبل القوى السياسية في بغداد والحكومة الاتحادية، لأجل اخضاع إقليم كوردستان ومنعه من أن يكون جزءا من هذه المعادلة بسبب وجود حدود محاذية معها.

بالإضافة إلى ذلك عند طرح موضوع انسحاب القوات الأمريكية من العراق للمناقشة والتداول، يتعرض إقليم كردستان للضغوط مجددا. ولهذه الضغوط بُعدين او اتجاهان، الأولى هي من قبل الميليشيات والشيعة في بغداد والأخرى من قبل إيران بطريقة مباشرة، وهذا برغم إن إقليم كوردستان ليس لديه القدرة، ولا يمتلك صلاحية اتخاذ قرار إخراج هذه القوات العسكرية، ومن بُعد آخر ترى إقليم كوردستان أن انسحاب الأمريكيين من العراق، خطورة على بقائه واستمراريته وبصورة عامة على أمنه الوجودي.

  • انتخاب رئيس الجمهورية في إيران وتبعاتها الخارجية

الانتخابات الرئاسية الرابعة عشرة في إيران، رغم أن صلاحيات الرئيس ووزير الخارجية محدودة ويُنفذ ضمن إطار الوثائق والسياسات العليا والمصدقة من قبل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، إلا أنه يعتبر بمثابة رسالة مرسلة الى الأمريكيين والدول الاخرى، يعني أنه عند وصول رئيس أكثر اعتدلا أو أكثر تشددا، يعتبر هذا الأمر بمثابة قرار وتوجه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية حول التغييرات، على الرغم كون هذه التغييرات محدودة على المستوى الخارجي حسب قراءة وفهم التهديدات والمخاطر أو تجاوز الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة داخليا، وإخلال العقوبات وحتى الاتفاق حول القضايا الخارجية،  ومن ناحية أخرى نرى حاجة النظام إلى اكتساب الشرعية الداخلية، بسبب الأزمة الأساسية المستمرة بين السلطات والمواطنين. أما الآن فإنه عدا فهم و استيعاب صناع القرار بالإضافة إلى الدول المجاورة لهرم السلطة وكيفية صياغة السياسة الداخلية والخارجية ضمن إطار الجمهورية الإسلامية، لكن مع وصول فريق جديد إلى السلطة التنفيذية، يُفسر كإشارة الى تعديل السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وتقليل الضغوطات، ويُفهم كنوع من التوافق على المستوى الدولي، وكذلك الحال بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية برغم أنها تفهم الساسة في أمريكا ودور المؤسسات الأخرى مثل السلطات التشريعية والرقابية، إلا أنها مع ذلك بانتظار قدوم رئيس جديد إلى السلطة.

وصول شخصية متشددة أو أكثر اعتدلا يعتبر موضوعا مهما لإقليم كوردستان أيضا، لأن هذا الأمر لا يعني أن رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية باستطاعته تغيير السياسة المتبعة من قبل إيران تجاه إقليم كوردستان، لكنها يُرى كإشارة او رسالة مرسلة من قبل المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية لغرض تقليص حدة التوترات وتعزيز العلاقات. ومن منظور آخر، يمكن قراءة وصول شخص أكثر اعتدالاً إلى السلطة على أنه سياسة آية الله خامنئي في تحقيق التوازن بين ميدان (القوة الصلبة) والدبلوماسية (القوة الناعمة) للتغلب على الأوضاع الداخلية والمعادلات الدولية والإقليمية. وفي الوقت ذاته من المحتمل أن يكون ذلك فرصة لتعزيز العلاقات التجارية وتقليص إيران من ضغوطاتها على إقليم كوردستان وذلك بهدف تقليص الضغوطات الموجودة على نفسها. وربما يعود ذلك إلى حاجة إيران السياسية والاقتصادية والأمنية إلى عدم التفاوض مع الأميركيين من موقف ضعيف، والاستعداد للحضور بشكل مؤثر ضمن المعادلات المتوقعة في العراق والمنطقة بعد حرب 7 أكتوبر بين حماس وإسرائيل وحتى الحرب الافتراضية بين حزب الله وإسرائيل. لأنه يجب أن يأخذ الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الداخلية الإيرانية بنظر الاعتبار، و الذي يُعتبر وضعا غير طبيعيا، وحتى انه بحسب تحذيرات خبراء إيرانيين محليين إن الأوضاع في مختلف المجالات وخاصة الاقتصادية و السياسية والاجتماعية، على وشك الانهيار والانفجار.

  • الأوضاع السياسية في العراق والتوازن بين القوى الداخلية والخارجية

على الرغم من وجود صراعات حادة ومعقدة وغير متوازنة في العراق، وخاصة بين الشيعة والسُنة وإقليم كوردستان وبغداد وذلك قبل هجوم حماس على إسرائيل، لكن هجمات 7 من أكتوبر لعام 2023، عقّد الأمور كثيرا ونقل الصراعات إلى مستوى أخر. من منظور آخر، بعد حرب حماس-إسرائيل، المعادلات في المنطقة وخاصة في العراق تقع بصورة مباشرة تحت تأثير هذه الحرب وحتى انه بطريقة غير مباشرة وبرغم محاولات المبذولة من قبل الكابينة الوزارية للسوداني، فإن أغلبية القوى الشيعية والميليشيات وحتى السُنة على مستوى الرأي العام، أصبحوا جزءا من هذه الحرب، بحيث نرى هذا من خلال هجمات الميليشيات على الأمريكيين بهدف الضغط على أمريكا لإيقاف الحرب، وكذلك من ناحية هجمات الميليشيات بصورة مباشرة على إسرائيل.

في هذه الأثناء، تعرّض الأمريكيون في إقليم كوردستان إلى هجمات عديدة وحتى إن إقليم كوردستان استُهدف بطريقة مباشرة بصواريخ الحرس الثوري الإيراني في وقت متأخر من ليلة الاثنين المصادف 15 كانون الأول من عام 2024، بحجة وجود قواعد للموساد الإسرائيلي. في الحقيقة تحاول الجمهورية الإسلامية الإيرانية عدم الانخراط بطريقة مباشرة في هذه الحرب، لهذا السبب القوات الوكيلة لها، اخذت هذه المهمة على عاتقها وانتقل نيران الحرب إلى إقليم كوردستان. لأن في حال زيادة نفوذ الجمهورية الإسلامية في العراق، فإنه عدا الفوائد الاقتصادية لها، فهو من نواحي سياسة الدفاع والأمن ضمن ما تسمى بجبهة المقاومة وتقليل الضغوط على حماس والضغط على أمريكا، خاصة إبعاد حزب الله عن الحرب ومنعه من المشاركة فيها تعتبر أمرا مهما بالنسبة لإيران، بالإضافة إلى السيطرة على الوضع لكي لا يكون سببا للحرب وجر الجمهورية الإسلامية إليها، لأن إيران بدأت تشعر بالقلق بسبب احتمال وصول “دونالد ترمب” إلى السلطة، لأنه في حال استمرار الحرب وفوز “ترمب” في الانتخابات الرئاسية فإن لدى طهران مخاوف قيام “ترمب” بشن ضربات عسكرية مباشرة على حزب الله وإيران. لهذا السبب أصبح كل من العراق وإقليم كوردستان من أسخن المناطق في الشرق الأوسط.

من جهة أخرى، قضية الانتخابات المبكرة وكيفية عودة الصدر إلى العملية السياسية ومشاركته في الانتخابات ومستقبل الحكومة ومكوناتها، كيفية تنظيم العلاقات بين قوات الإطار التنسيقي، بالإضافة إلى العلاقة بين الكورد والشيعة، ومن جهة أخرى بين السُنة والشيعة، تقع جميع هذه القضايا تحت تأثير المعادلات الإقليمية. من الممكن أن تتغير هذه المعادلة مع وصول “ترمب” إلى السلطة في أمريكا ومستقبل حرب حماس-إسرائيل من جهة واحتمالية نشوب الحرب او رفع حدة التصعيد بين إسرائيل – حزب الله، لأنه إذا أرادت إيران إشغال إسرائيل أو ممارسة الضغط على أمريكا لكي تمنع إسرائيل من شن الهجمات على جنوب لبنان وقوات حزب الله والانسحاب حتى نهر الليطاني في جنوب لبنان والخط الأزرق، تقوم إيران بإدارة صراعاتها عبر العراق وميليشياتها التابعة لها ولهذا السبب يصبح إقليم كوردستان جزءا من هذه الاشتباكات. عدا هذا، من الناحية السياسية فإن الحكومة المقبلة في بغداد ودور الشيعة يعتبران خطا أحمرا لإيران، وستقع إقليم كوردستان من جديد تحت ضغط طهران والقوى الشيعية في بغداد، هذا عدا القضايا العالقة بين أربيل وبغداد حول الرواتب والميزانية والمادة 140 والمحكمة الاتحادية العليا وصلاحيات وسلطات إقليم كوردستان وقضية النفط والغاز…الخ. جميع هذه القضايا تقع تحت تأثير الصراع الأمريكي-الإيراني، الإسرائيلي- الإيراني، التركي- الإيراني، الدول العربية-إيران، الأمريكي-الروسي، الصيني-الأمريكي.

الخاتمة

يظهر أن تطبيع علاقات إيران مع الدول المجاورة وحتى مع إقليم كوردستان، بالإضافة إلى اللقاءات السرية والمستمرة بين إيران والأمريكيين، هو بمثابة تحضير وإعداد للتغييرات في المعادلات الجيوسياسية في المنطقة بعد حرب حماس-إسرائيل. إنه حتى إذا فشلت إيران في مساعيها لإفشال محاولات التطبيع بين إسرائيل والسعودية، لكن إيران قلقة الآن ولديها مخاوف حيال إبرام اتفاقية استراتيجية للدفاع-الأمن بين السعودية وأمريكا وتغير مسار المعادلات ضد مصالح إيران.

من جهة أخرى، الإيرانيون والأمريكيون ينتظرون نتائج الانتخابات الرئاسية في بلدانهم، لهذا السبب نرى أنه في هذه الفترة يحاولون التخفيف من حدة التوترات. إن الذي سيغير هذه المعادلة الهشة، هو هجوم إسرائيل على حزب الله ورفض حزب الله الانسحاب من حدود جنوب لبنان. بالإضافة الى هذا، إيران تضغط على الشيعة لأجل إنهاء مفاوضات انسحاب القوات الأمريكية من العراق بصورة سريعة، وهذا الأمر بحد ذاته أدى إلى ظهور خلافات بين الأطراف الموجودة داخل البيت الشيعي. إذا حدث هذا الأمر، ستبدأ جولة جديدة من التوترات والاشتباكات في المنطقة وخاصة في العراق، وفي هذه الأثناء سيتعرض إقليم كوردستان بسبب مشاركة الميليشيات في العراق، إلى مخاطر أمنية، إذا لم يتوصل إيران وأمريكا إلى اتفاقية حول السيطرة على التوترات، هذا عدا العمليات العسكرية التركية في إقليم كوردستان وغرب كوردستان (رۆژاوا)، والذي يعتبر بعدا آخرا للمخاطر التي سيشكلها على إقليم كوردستان.

النقطة اللافتة للنظر هي أن قضية السلاح النووي الإيراني مرتبط ومتعلق بالقضايا الأخرى في المنطقة، خاصة مستقبل ومصير حزب الله اللبناني، بمعنى أن إيران إذا حست بأنها تفقد تأثيرات حزب الله كورقة ضغط مؤثر، ستتجه نحو امتلاك السلاح النووي، وإذا ما اتجهت إيران باتجاه امتلاك السلاح النووي، فإن إسرائيل ستشن هجمات على المراكز والمؤسسات النووية الإيرانية أو سيُحاول هدمها من الداخل، ويظهر مواقف الدول تجاه المظاهرات والاحتجاجات الداخلية الإيرانية، إنه حتى الآن ولأسباب مختلفة، لم تكن هذه المظاهرات والاحتجاجات خطة أو أجندة أية دولة غربية. لأنه يوجد الفرصة لثلاث دول أوروبية حتى 18 أكتوبر من عام 2025، تفعيل آلية كبح الزناد أو (snapback) وإعادة فرض الحصار وجميع العقوبات المفروضة ضمن إطار قرار مجلس الأمن المرقم (2231)[2]. في جميع السيناريوهات والاحتمالات، إيران لا تريد وجود فاعل حليف للدول الأوروبية وأمريكا، والذي سيشكل تهديدا على أمن إيران، لأن هذه الحالة ستجعل موقع وموقف إيران قويا في المفاوضات، وإنه في حال التوترات والاشتباكات مع إسرائيل، إيران لن تحس بمخاوف أمنية نابعة من إقليم كوردستان. هذه المعادلة معادلة صحيحة للوضع والمعادلة الهشة الموجودة الآن وتعمل بصورة صحيحة، لكن في حال تغير المعادلات الجيوسياسية، إذا لم تمتلك إقليم كوردستان اية وسيلة أو آلية ضغط أمام جميع هذه التغييرات، سيكون ضعيفا وتتعرض أمنه إلى المخاطر. لهذا السبب، فإنه ضمن سياق منظور الواقعية ومنطق معادلة القوة، إذا قام إقليم كوردستان بتطبيع علاقاته مع إيران من الناحية الأمنية فقط، ونفذ جميع متطلبات وشروط إيران، في هذه الحالة مع انتهاء هذه المعادلة ستتغير المعادلة ضد مصالح الفواعل الصغيرة، ويصبح ضعيفا أكثر، ومع ذلك، إذا كانت العلاقات متعددة الأبعاد (خاصة الاقتصادية والسياسية) وغير أمنية بشكل عام، فإن التحول في ميزان القوى لن يؤدي إلى العودة إلى النقطة الأولى والانهيار على حساب الجهات الفاعلة الأصغر والأضعف. ولذلك فمن المنطقي القول إن الضغوط أكبر من الآن على القوى السياسية في شرق كوردستان عدا الأضرار القومية الأمنية الكبيرة في المدى البعيد واحتمالية ردود الأفعال في الجهة الأخرى من الحدود وفقدان وعدم بقاء البعد الاستراتيجي، فهو يُعرض أمن إقليم كوردستان وسياسة الردع (deterrence policy) التي ينتهجها للخطر، ومن ثم تحييد عوامل قوة إقليم كوردستان في مواجهة إيران.

[1] التكلفة الاقتصادية المباشرة لحرب غزة خلال 6 أشهر الأولى للحرب، وصلت إلى حوالي ستين مليار دولار وأدى إلى انخفاض الإنتاج المحلي الإسرائيلي بنسبة 22%.

[2] بموجب الفقرتين 36 و 37 من JCPOA  كل طرف من أطراف اتفاقية عام 2015 لهم حق الاعتراض لدى المفوضية المشتركة، وللمفوضية 15 يوماً لأجل حل المشكلة، المشاكل التي لم تُحلّ يُرسل إلى وزراء الخارجية، وزراء الخارجية أمامهم 15 يوماً آخر لأجل حل المشاكل المرسلة إليهم، ثم بعد ذلك أمام المفوضية 5 أيام لحل تلك المشاكل. إذا لم تٌحل تلك المشاكل خلال هذه العملية المتكونة من 35 يوما، والجهة المقدمة للشكوى لم يقتنع ولم يوافق على الخطوات المنجزة بهذا الأمر، من حقه تحويل ذلك الموضوع بحجة إخلاله للاتفاقية إلى مجلس الأمن، وعلى مجلس الأمن خلال 30 يوماً التصويت لأجل إقرار برنامج لاستمرار إيقاف العقوبات – وهذا القرار يمكن أن يستخدم ضده حق النقض “الفيتو” (عدا ألمانيا والذي هو ليس عضوا دائما في مجلس الأمن). وبهذا يُعاد فرض العقوبات كما كان مفروضا في السابق.

أتاح الملحق الأول من  JCPOAآلية فريدة للوكالة لأجل الوصول إلى المناطق المشبوهة خلال 24 يوما عبر المفوضية المشتركة وحسب هذه الآلية، يؤدي عدم تعاون إيران، إلى تفعيل آلية حل الخلافات وإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة. أُشِير إلى هذين الشرطين في JCPOA  ويسميان بآلية كبح الزناد (Trigger Mechanism) أو إعادة فرض العقوبات  (Snapback). من منظور آخر، عملية سناب باك تبدأ إذا “إحدى الدول المشاركة في JCPOA   – كالذي عُرّف في UNSCR 2231 – سيُبلغ مجلس الأمن للأمم المتحدة بوجود المشكلة “إذا لم ينفذ، فإنها يعتبر إخلالاً لـ JCPOA  . سيقوم مجلس الأمن بالمصادقة على القرار خلال 30 يوما اعتبارا من تاريخ تقديم الشكوى، ومن ثم يُعاد تنفيذ جميع الفقرات التالية: 1835 (2008)، 1803 (2008)، 1747 (2007) ،  1737 (2007) ،  1696 (2006) UNSCR،  1929 (2010) والذي انتهى بقرار UNSCR 2231. هذه العملية تسمى بـ”سناب باك” لأنه سيُعيد فرض جميع العقوبات المفروضة على إيران.

image_pdfimage_print